مضى زمنٌ كان يُنظر فيه إلى التلطُّف مع الناس على أنه أمرٌ حسن. وأما الآن، فإنني أرى أُناساً يتعرضون في جميع أنحاء العالم إلى الاعتداء والاستهداف بسبب قيامهم بمساعدة المحتاجين، وجلبهم الغذاء والدواء الماء إلى الأشخاص الذين يقاسون من شدة القَرِّ في الغابات أو يعانون الظمأ في الصحاري.
لقد سمعت عن أشخاص يُستهدفون في العديد من البلدان بسبب عملهم في مساعدة المهاجرين. أخبرني بعضهم في ليبيا عما لاقَوه من التعدي والتعذيب بسبب محاولتهم تقديم العَون إلى الغير، ومنعتهم الحكومة من زيارة المهاجرين المحتجزين، وتعرضوا إلى الإيذاء في مراكز الاحتجاز، وتلقوا التهديد من قبل عصابات الاتِّجار بالبشر.
إنَّ الأعمال الإنسانية غدت في جميع أنحاء العالم تنتهي إلى قضايا منظورة أمام المحاكم، تُقام ضد أشخاص يملي عليهم ضميرهم أنه ترك الأطفال والأسر يعانون ويموتون في ظروف يائسة ليس أمراً مقبولاً.
إن هؤلاء هم مدافعون عن حقوق الإنسان، يقومون بدعم حقوق الآخرين بشكل سلمي. وبصفتي المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، فقد تم تكليفي بتقديم المشورة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول كيفية توفير حماية أفضل للمدافعين، على النحو الذي سبق أن تعهدت به.
إنني أقدم تقريري الأحدث عهداً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، وعنوانه “رفض الإغضاء”، وهو يعرض بالتفصيل حالات من كل قارة لأشخاص لا يتجاهلون ما يحدث، قريباً منهم بحيث يكاد يكون على أعتاب منازلهم، للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين. إن هذا التقرير يوضح أيضاً كيف أنَّ الناس عندما يقدمون المساعدة فإنهم يخاطرون بمواجهة إجراءات التقاضي، بل والسجن، بسبب قيامهم بتقديم المعونة.
إنني أقول للحكومات إن عليها وضع حد لمضايقة أولئك الذين يساعدون المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وتجريمهم. وبعض هؤلاء المدافعين محامون يقدمون المشورة القانونية إلى طالبي اللجوء، وبعضهم الآخر أطباء يقدمون العلاج، وبعضهم يقدم الحساء للأشخاص الجائعين الذين يرونهم في حدائق بيوتهم.
زهيدة بيهوراك مُدرِّسةٌ من البوسنة والهرسك. في عام 2018، بدأت في تقديم المساعدة الإنسانية إلى اللاجئين والمهاجرين في مسقط رأسها بلدة فيليكا كلادوسا، بالقرب من الحدود مع كرواتيا. في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز 2020، بينما كانت تقود سيارتها بالقرب من الحدود، لاحقتها قوات الشرطة كما ذُكر وأوقفتها، وقامت بتصويرها بينما كانت تزور مخيماً للاجئين، واتهمتها بالمساعدة على الهجرة غير الشرعية، وألمحت إلى أنها ستُعتقل.
ثم اشتدت الهجمات ضدها بواسطة الإنترنت. إذ نشرت مجموعة على فيسبوك محتوى ذا بُعد جنسي للتشهير بها، وادعت أنها كانت “امرأة فاجرة” وغير صالحة لتعليم الأطفال، وقدَّمت عرضاً تفصيلياً مؤدَّاه أنه لا بد من قتل اللاجئين ومن يساعدونهم.
عندما تقدمت بشكوى لدى مركز الشرطة المحلي ضد أولئك الذين أدلوا بهذه التصريحات، لم يتم اتخاذ أي إجراء، وقيل لها إنها كانت محظوظة بأن الشرطة المناوبة استمعت إليها.
إنَّ ما اختارت بيهوراك أن تفعله، وما واجهته من عواقب، ليسا بالأمر غير المعهود بالنسبة إلى المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يعملون على أمثال هذه القضايا. يلاقي العديد منهم مخاطر شخصية كبيرة، ويتهمون بأنهم ضالعون في الاتجار بالبشر، وبأنهم عملاء أجانب ومهربون وإرهابيون. كما تهاجمهم السلطات الحكومية والمتطرفون العنيفون وعصابات الجريمة المنظمة.
لقد استمعت إلى مرويات المدافعين الذين يعملون على هذه القضايا ممن تم سجنهم وتشويه سمعتهم وترحيلهم واختطافهم والاعتداء عليهم جسدياً. يُجبر الكثيرون على القيام بهذه الأعمال الطيبة في الخفاء، ويُقتل بعضهم بسبب عملهم هذا.
على الرغم من ذلك، فإنَّ المدافعين عن حقوق الإنسان يواصلون تقديم المشورة القانونية والمساعدات الطبية والإنسانية التي من شأنها إنقاذ حياة أولئك الذين هم في أمس الحاجة إل العون. لقد استمعت إلى العديد من الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مختلف الحدود البحرية والبرية الذين قرروا، على ما في ذلك من مخاطر جمَّة عليهم، أن يدافعوا عن حقوق الآخرين.
إنَّ هؤلاء الناس جديرون بالثناء، لا بأن يتم تشويه سمعتهم بسبب عملهم.
يواجه المهاجرون الذين يساعدون المهاجرين الآخرين مخاطر أكثر من سواهم. يعرِّض البعض منهم وضعه القانوني في بلد ما إلى الخطر بمساعدة الآخرين، وهم معرضون إلى الاعتداء بشكل خاص. إن هؤلاء ينبغي أيضاً أن يكونوا موضع اهتمام خاص من قبلنا بسبب العمل الذي يقومون به.
وعلى الرغم مما سبق، فإنَّ ثمة ومضة من الأخبار السارة، هي أن بعض المحاكم ترفض القضايا التي أقامتها السلطات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب قيامهم بهذا العمل. لقد شهدنا تبرئة مدافعين في فرنسا وألمانيا وبولندا والولايات المتحدة الأمريكية. في إيطاليا، رُفضت هذا العام قضية ضد مدافعين عن حقوق الإنسان قاموا بمساعدة مهاجرين، لأن القاضي اعتبر أن “ليس ثمة جريمة”.
بيد أنَّ الأشخاص الذين يتضامنون مع الغير ينبغي ألا يضطروا إلى الاعتماد على المحاكم لحمايتهم (وحتى بالنسبة إلى المدافعين الذين تمت تبرئتهم آخر الأمر، فإنَّ الدعاوى القضائية يمكن أن تكون تجارب طويلة ومرهقة ومكلفة).
يتوجب على الحكومات الكف عن معاقبة الناس بسبب حمايتهم لحقوق الآخرين بالطرق السلمية، والتوقف عن استهداف أولئك الذين يقدمون الطعام إلى الجياع أو الدواء إلى المرضى، ووضع حد لمحاكمة الناس بسبب إتيانهم بأفعال رحيمة وأخلاقية.
بقلم ماري لولور، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.